+ «هذا يكون عظيماً، وابنَ العليِّ يُدعَى، ويُعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لمُلْكه نهاية» (لو 1: 33،32).
هنا الملاك المبشِّر يُعطي ملامح يسوع المسيح. ولينتبه القارئ، فأُفق الملاك في المعرفة محدود للغاية، وهو يُعطي أوصاف المسيح على مستوى ملائكي فيقول إنه: «يكون عظيماً»، حيث العظمة عظمة ملائكية سمائية تنتهي بالدرجات العظمى، أي أنه سيكون أعظم من الملائكة. ثم يستدرك ويصف علاقته بالله فيُعطيه درجة ابن العليِّ وهو وصف يفوق قدرة ملاك، لأن الملائكة محسوبون أنهم خُلقوا ليخدموا الخلاص للعتيدين أن يرثوه، ولكن الملاك هنا يكشف أول أسرار الابن التي لم يسبق أن سمع بها ملاك أو بشر. فابن العليِّ عليٌّ هو، وأعلى من كل صفوف الملائكة ورؤساء الملائكة. ثم يدخل الملاك في خصائص ابن العليِّ فيصف مُلْكه الكلِّي والأبدي على بيت إسرائيل، ثم يعود ويصف مدى انتشار واتساع مُلْكه الأبدي أن لا نهايةَ زمنيةً له، بمعنى أنه فائق على زمن البشر الذي له نهاية، فمُلْك ابن العليِّ لا نهاية له، لا نهاية زمانية ولا مكانية، أي أنه يملأ السماء ويملأ الأرض، لا حدود له.
ويصف الملاك أيضاً مستوى تملُّك ابن العليِّ على كرسي داود، باعتبار أن المسيح ابن العليِّ سيكون سليل داود، أي يرث مُلْك داود كوريث شرعي، وهنا يُلمِّح الملاك إلى جنسية ابن العليّ أنه بشريٌّ هو، وهنا يُقْرِن الملاك لاهوت ابن العليِّ بناسوت ميراث داود. وهذا يُعتبر أول استعلان للابن المتجسِّد أنه ابن العليِّ وابن الإنسان معاً، الأمر الذي يشير إلى نوع ملوكيته: إنه وسيط قادر بين العليِّ وبين البشر. فهنا يتحتَّم أن تكون ملوكية ابن العليِّ سماوية وأرضية معاً، تحمل كل ما لله وكل ما للبشر. حيث تصبح المصالحة بين الله والإنسان على مستوى إلهي وملكي، يخدم هذه المصالحة ابنُ العليِّ إلى أبد الآبدين، حيث تضم هذه المصالحة كل أجيال الإنسان، فهي مصالحة أبدية قادرة على التكميل الكامل.
لهذا تُعتبر بشارة الملاك المبشِّر للقديسة العذراء مريم سجلاًّ مختصراً وكاملاً لعمل ابن العليِّ المولود من العذراء مريم ومستواه الإلهي الملكي.
وبذلك يكون ابن العليِّ، أي الرب يسوع المسيح، صاحب مملكتين: ملكوت السماء، ومملكة الإنسان، بــآنٍ واحد. وهنا نجد الإشارة واضحة لعمل ابـن العليِّ، أن ينقل الإنسان من مملكة الإنسان ليُدخله في ملكوت السموات. وفي هذا كانت مسرَّة الآب ومنتهى مسرَّة الإنسان معاً. وظلَّت هذه المسرَّة مرافقة لابن العليِّ حتى إلى الصليب، فقيل إنه: «من أجل السرور الموضوع أمامه، احتمل الصليب» (عب 12: 2)، وهي مسرَّة الآب في السماء، ومسرَّة الناس على الأرض، ومسرَّة الابن الذي أكمل طاعة الآب «حتى الموت، موت الصليب» (في 2: 8).
لذلك نحن مديونون لملاك البشارة الذي أعطانا هذا السجلَّ الحافل بعمل ابن العليِّ.