+ «هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً، ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا» (مت 1: 23).
لمَّا أخطأ آدم وحواء وطُردا من أمام وجه الله، أُصيبت البشرية بابتعاد الله عنها، فصارت تتوالد في عُقْم البُعاد عن الله، بمعنى أن البشرية فقدت قُرْبها من الله الذي كان يَنعم به آدم. بما يعني أن كل أعمال وحياة الناس لم تكن تَنعم بمشورة الله وعمله، ليس إلى جيل بل إلى جيل الأجيال.
وأخيراً جاءت القُربَى من لَدُن الله، وتَدَخَّل الله بنفسه في حياة البشر، إذ أرسل ابنه الوحيد المساوي للآب في الجوهر أي في الطبيعة، ليولَد من عذراء طاهرة من بيت إسرائيل في ولادة فائقة على طبيعة البشر، أي بدون رجل، فكان الله الآب بمثابة أب حقيقي فائق للطبيعة البشرية، وأصبح المولود ابن الله الحقيقي (انظر لو 1: 35)، ورأس البشرية الجديدة كلها. وهكذا انعقدت الآمال كلها ورجاء الإنسان في مولود العذراء، فلم تَعُد البشرية متغرِّبة عن الله، بل تحوَّل الإنسان تحوُّلاً فائق الوصف من كونه من بني آدم إلى ابنٍ لله، وصار نسله بالتالي بني الله العَليِّ بالإيمان (انظر غل 3: 26)، إيمان ابن الله الذي دُعِيَ يسوع. وبعد أن كان آدم رأس الجنس البشري، أصبح يسوع المدعو المسيح هو رأس البشرية الجديدة المؤمنة بيسوع المسيح، فكلُّ مَن يولد في الإيمان بيسوع المسيح ابن الله، ينال حق التبنِّي لله (انظر يو 1: 12).
ومع التبنِّي لله، صار جنس الإنسان بحسب رأس الجنس كله أي يسوع المسيح، يُدعَى مسيحياً.
وبالتالي صار كل بني آدم مسيحيين؛ وبحسب الروح الذي يعمل في الإيمان، أي الروح القدس، صار كل الناس المسيحيين لهم رأس واحد وهو يسوع المسيح، وروح واحد أي الروح القدس. وبمعنى كلِّي، صار كل الناس إنساناً واحداً في المسيح، لا ذكر ولا أنثى فيما بعد بل «جميعاً أبناء الله الحيّ بالإيمان (الواحد) بالمسيح يسوع» (غل 3: 26).
وهكذا تحوَّل بنو آدم من جنس البشر إلى جنس يسوع المسيح، ومن الكثرة المتفتتة إلى وحدانية الروح والجنس، ومن الأصل الترابي إلى طبيعة سماوية، ومن ميراث الجسد والآباء والأمهات إلى ميراث ابن الله في السموات، أي الحياة الدائمة الأبدية، لأنه لا يكون للإنسان موتٌ بعد بل انتقال من جنس ترابي إلى جنس سماوي، ومن ميراث ترابي إلى ميراث إلهي أبدي.
ومن هنا، بدأت الدعوة وبدأ التبشير بالإيمان بيسوع المسيح إيماناً صادقاً حقيقياً، يتهيَّأ لهذه النقلة السعيدة بالإيمان الصادق الحيِّ بالمسيح يسوع ربنا.
على أنه يلزم جداً جداً أن نضع اللمسات الإلهية على معنى الإيمان الحيِّ الصادق بالمسيح يسوع.
وما هو الإيمان الحيُّ الصادق بالمسيح يسوع؟ هو أن نقبل قبولاً قلبياً حاراً صليبَ ربنا يسوع المسيح الذي قَبـِلَه هو «من أجل السرور الموضوع أمامه» (عب 12: 2).
وما هو السرور الذي كان موضوعاً أمام المسيح وقت الصلبوت؟ هو الحب، الحب الطاغي الذي جعله يحتمل التعذيب وسفك الدم (انظر غل 2: 20)!! وهو حبُّ الآب الذي أطاعه الابن حتى الصليب، وحبُّ المسيح من نحو الإنسان الخاطئ.
وهنا ننبه ذهن القارئ أن عصيان آدم لله حُسِبَ خطية عظمى، وكل إنسان يولد لآدم يرث موت الخطية في الطبيعة، فكل بني آدم حُسبوا خطاة في آدم لأن الخطية سادت على الجميع والكل وُلد في الخطية. ولكن، وكما سبق وقلنا، فإن بني آدم بعد أن آمنوا بالمسيح بالقلب والروح والصدق، حُسبوا بني الله في المسيح، أي حُسبوا جميعاً إنساناً واحداً في المسيح.
وكما أنه لمَّا أخطأ آدم صار كل بني آدم خطاة، هكذا يصير بنو الله في المسيح كالمسيح قديسين وأبراراً، لأن برَّ المسيح الذي اكتسبه بالصليب والفداء والقيامة منحه كاملاً متكاملاً للإنسان، فصار الإنسان باراً أمام الله بالفداء الذي أكمله المسيح للإنسان الخاطئ.
لذلك يُحسب عدم الإيمان بالمسيح والصليب والفداء أنه رجْعَةٌ إلى خطية آدم والبُعاد عن الله.
No comments:
Post a Comment