
كان هناك عصفورا لطيفا ذو الريش الملون ، والصوت الجميل العذب يكتفى كل يوم بإخراج رأسه من بين قضبان القفص الذهبى ليرى الحياة الحقيقية. ظل هكذا أياما و شهورا وسنينا لدرجة جعلته ينسى حاله وانه محبوس. فى إحدى الأيام وكعادته اثناء تفقده لحال الجميع من حوله من بين القضبان رأى وردة مهملة .. فى الحقيقة الوردة لم تكن أنيقة من وجهة نظر العصفور ولكن شئ ما غريب جذب الوردة للعصفور .. لونها الأبيض الذى يدل على انها من أصول جيدة أو صوتها العذب أيضا وهى تنادى على العصفور ليهتم بها وينتشلها من حالها فقد كانت تعرف ان حالها لا يسر. تمرد العصفور على حاله وصمم على إنقاذ الوردة التى أحبها و إنجذب إليها. من زمن بعيد لم يحاول العصفور الخروج من القفص فقد وقع فى حالة من اليأس والإستسلام ولكن دب شئ من الأمل فى قلب العصفور جعلته يحاول مرة تلو مرة. لقد نجح العصفور فى الهروب فعلا .. صار يرفرف فى الهواء يمينا و يسارا. ماهذا الإحساس من الحرية .. حقا لقد كنت محبوسا .. لقد كنت أفارق الحياة فى بطئ شديد. واقع الفضل فى الهروب يُنسب بالطبع للوردة التى ألهمته لمحاولة الخروج من القفص لم يستمر العصفور فى الطير سريعا بل سرعان ما تذكر الوردة الجميلة المهملة
تذكر حالها السئ وأنين صراخها لكى يخرجها أحد من الطين الذى حولها قرر أن ينقذها ويرد لها الجميل .. فهى الملهمة الوحيدة التى جعلته يخرج من القفص. كان كل ما يدور فى ذهن العصفور الحرية الحقيقية التى حصل عليها و محاولته لإنقاذ الوردة الجميلة التى أحبها . حاول العصفور أكثر من مرة إخراج الوردة من حالها السئ ومن بيئتها شديدة الإتساخ ولكن دائما ما كان يفشل تارة بسبب صعوبة الظروف المحيطة بالوردة و تارة بسبب صعوبة المهمة وإدراكه انه مهما كان عصفور صغير وتارة أخرى بسبب رفض الوردة فهى فى عنفوان جمالها .. تعرف ان حالها متسخ ولكن لا تقبل النصيحة وكأن الانحلال قد دب خطوطه بعمق فى كيانها فأصبحت تأبى إلا وأن تعيش فى ذل و إنكسار فى هذه البيئة. لم أرى فى حياتى مثل هذا .. الوردة ترفض أن تكون جميلة بحق .. ترفض أن تُوضع فى فازة أنيقة .. ترفض أن يزداد ثمنها .. ترفض ان تُرعى بإهتمام .. لم أكن أتخيل أن الوردة سترفض ولكن لم لا ؟ !! فالعصفور أيضا رفض !! فهذا العصفور بعد إحساسه بالفشل إزاء إنقاذ العصفورة رفض الحرية الحقيقية و تمرد على وضعه الحالى وتمنى لو أنه لم يخرج من القفص .. لقد نسى كان إنه محبوسا .. فأثناء ما كان فى القفص كانت الأيام تمر وهو لا يشعر بشئ .. لا يوجد هدف يسعى إليه .. ينتظر الموت بين حين و آخر .... وفعلا أدخل العصفور نفسه فى القفص مرة ثانية فقد رفض الحياة بدون الوردة وقرر أن يستعيد هدوئه وحياته الخاصه فى قفصه الذهبى يرى الناس تمر حوله و يرى الأحداث تسابق الزمن و لا يهمه أى شئ حوله و أصبح الحال : وردة ترفض أن تكون جميلة ، وعصفور يرفض الحرية ...
الكل رجع إلى حاله ولكن بإحساس مختلف . ف حال العصفور الذى رفض الحرية وأدخل نفسه داخل القفص
يختلف عن إحساسه سابقا . تُرى توجد مرارة داخلية ، أو كآبة أو حزن على حاله .. كيف رفض الحرية !!
وأيضا الوردة الجميلة حالها يُندى له الجبين .. تعرف حالها السئ و تعرف انها رفضت ان يُعتنى بها
تعرف أن شئ ما خطأ حدث ولكن لا تعرف كيف تسترجع الماضى .. انها مرحلة حزينة لكلا الإثنين
مرحلة تجعل كل من يراهما يشفق عليهما .. يحزن من أجلهما .. ولكن لا يستطيع مساعدتهما
ظلا هكذا الإثنان أقصد العصفور و الوردة فترة من الزمن .. لا أعلم مدى قصر أو طول هذه الفترة ..
ولكن كل يوم يمر على الإثنين تشعر بالأسى لأجلهما .. أرى الدموع واقفة فى عينى العصفور
لا تقدر أن تنفتح لكى تنزل من عينيه حاملة معها كل الحزن والمرارة التى يشعر بها ..
أشفق أيضا على الوردة وعلى إحساسها بأنها إرتكبت شئ خطأ ولكن لا تعرف ماذا تفعل .. تشعر بحنقة داخلية تجعلها
فى إضطراب نفسى مستمر ، يوم تشعر وكأن كل شئ على مايرام و يوم تشعر بإنها أخطأت خطأ جسيما ،
و يوم لاتعرف أن تحدد ما فعلته سواء كان صواب أو خطأ ..
والآن ما الحل .. لقد ذكرت أنه ظل كلاهما فى هذه الحالة من الحزن لفترة !! ولكن متى تنتهى هذه الفترة ؟
إنها فترة تعتمد على مساعدتهما لأنفسهما
فالمساعدة هنا لاريب فيها أنها ستكون من الداخل .. من داخل كل من العصفور والوردة .. من أعماق أنفسهم
جلس كل منهما مع نفسه يفكّر ماذا صنع بنفسه .. هل الظروف هى التى وضعتهم فى هذا الموقف؟؟
العصفور أخذ يفكّر و يفكّر .. ما هذا؟! .. ما الذى أدخلنى إلى هنا مرة أخرى؟! .. ثم من كان وهبنى الحرية ؟! ..
هل الوردة؟ .. أم نفسه هو شخصيا؟ .. لا أنكر دور الوردة ولكنها كانت الدافع والملهم ليس أكثر
لقد أخطأت بوضع حريتى فى قيود مُلهمى فحريتى ملك لى فقط .. عليّ أن أكون أنا ملهمى لكى لا أقع فى القفص مرة ثانية
و الوردة الجميلة الرقيقة أخذت تفكّر .. لماذا ؟؟ لماذا رفضت محبة العصفور الحقيقية ؟ فهو الوحيد الذى أراد مساعدتى بحق ..
كان الكل حولى ولا أحد يحاول المحافظة عليّ .. لا أحد يرشدنى .. الكل مستمتع بتنفس رائحتى الجميلة التى ستزول يوما ما ..
ولكن لا أحد يحاول أن يجذبنى للأفضل .. فقد كان الوقت يمر عليّ وانا أشعر بشئ ما خطأ ولكنى لم أقبل تدخل العصفور لإنقاذى
والآن القرار بإيديهما .. العصفور أخذ يجاهد ويجاهد .. لقد تألم كثيرا وكثيرا لكى يخرج من القفص
فحارس القفص قد وضع قيود أكثر صعوبة يصعب كسرها بسهولة
والوردة الجميلة بدأت تشعر بخيبة أمل من كل ما حولها فبدأت تعرف من حولها على حقيقتهم و ينكشف لها أشياء لم تكن تعرفها
رفضت الكل بدأت تعزل نفسها عن ما حولها من بيئة غير صالحة لها .. رفضت الجميع لتصير أنيقة بحق ..
قررت أن تسمو بنفسها و تحيي كرامتها من جديد .. العصفور أيضا نجح فى الخروج من القفص وهو متألم جدا و مصاب بجروح شديدة
الحال الآن : وردة تطلب الجمال لنفسها ، وعصفور يطلب الحرية لنفسه

والنهاية المنتظرة يعود العصفور للوردة .. ويسدل الستار و تكون النهاية سعيدة للجميع: للعصفور وللوردة وللقارئ
ولكن العصفور عندما أخذ حريته بحق : أخذ يطير و يطير ، يرفرف بكل قوته ..
لا يعلم إلى أين سيذهب .. ولكنه قرر الهروب من كل شئ .. قرر الهروب من القفص للأبد ..
قرر الهروب من الوردة .. قرر الهروب من نفسه .. قرر أن يهرب ولن يعود !!
الوردة ينتظرها حال أفضل بكل تأكيد فما فعتله لنفسها .. يجعلها بالتأكيد ينتظرها مستقبل أفضل .. لقد أصبحت أمينة على نفسها وبالتأكيد
ستكون لها مكافأة جيدة ..
والعصفور الحزين لا نعلم أين هو .. لقد طار و هرب .. رفض الحياة وسط القفص .. ورفض الملهم الذى كان أيضا كالقفص !!
طار و لن يعود ....