«وبينما هما هناك تمَّت أيامها لتلد».
«فولدت ابنها البكر وقمَّطته
وأضجعته في المذود، إذ لم يكن لهما موضِعٌ في المنزل».
إن القارئ ليكاد
تنحبس أنفاسه كيف عبرت هذه العذراء القديسة 90 ميلاً من الناصرة إلى بيت لحم في
أرض وعرة وهي في أيامها الأخيرة؟ ولكن من أميز صفات كاتب هذه القصة أي القديس
لوقا، بل من أميز صفات يوسف، وبالتالي العذراء، وبالتالي الإنجيل، هذه الغلالة من السريَّة التي يلفها الصمت العميق بالنسبة
لهذه الحوادث الجسام المليئة بالأعاجيب، وليس إزاء هذا السرد المهيب إلاَّ
أن يتذرع الإنسان أيضاً بالصبر في الجري وراء تحقيق هذه الحوادث، وبالصمت لعلَّه
يبلغ السرَّ. فنحن بصدد قصة سماوية أشخاصها قديسون وملائكة وقوات فلكية مسخَّرة!
قلبي
على هذه الأم الوحيدة، كيف احتملت المخاض وحدها؟ كيف استقبلت الطفل بيديها؟ كيف
قمَّطته وهي منهوكة القوى؟ ماذا شربت وماذا أكلت؟ اشهَدْنَ يا نساء العالمين على
أُم المخلِّص، كم عانت؟ وكم تستحق التمجيد؟ عزائي الوحيد أن الرحلة الشاقة ذات الأربعة الأيام والتسعين ميلاً سهَّلت الوضع بحسب خبرة أصحاب التوليد وأهَّلتها لمعونة
ملائكية، وأُخفيت عن الإنجيل ليزداد عطفنا عليها وحبُّنا لها.
وهكذا استقبل العالم
“المسيَّا” الموعود رجاء كل الدهور » نور
إعلان للأمم، ومجداً لشعبك إسرائيل «(لو 32:2) في مذود
للبهائم. ويبدو أن في هذا تعيير شديد لإسرائيل، كون
المسيح قد استأمن البهائم على حياته ولم يستأمن بيت يعقوب: » اسمعي أيتها السموات وأَصغي أيتها الأرض، لأن الرب يتكلم. ربَّيتُ
بنين ونشَّأتهم، أما هم فعصوا عليَّ. الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه، أما
إسرائيل فلا يعرف، شعبي لا يفهم. «(إش 2:1و3)
وقول القديس لوقا هنا
» فولدت
ابنها البكر « فهذا بحسب الفكر اليهودي
يعني فاتح رحم. والتدقيق هنا على إجراءات التطهير التي أوصى بها الناموسُ الوالدةَ
من جهة التطهير الذي أتمَّته بحسب الإنجيل. كما أنه يتحتَّم إجراء طقوس على الابن
البكر لتكريسه لله بحسب الناموس (خر 12:13؛ 19:34). علماً بأن البكر له
الميراث، فهو وارث لداود حتماً. فهو، إذن، وبالضرورة، صاحب مملكة داود أبيه
كقول الملاك للعذراء: » ويعطيه
الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية «(لو 32:1و33). وبالتالي
فهو المسيَّا!! هذا هو القصد الإلهي من قوله: «ابنها البكر»
No comments:
Post a Comment