«وفي تلك الأيام صدر أمر من أُوغُسطُس قيصر بأن يُكتَتَب كل
المسكونة».
وقبل أن نأتي على
الشرح والتعليق على هذه الآية ننبه ذهن القارئ أن القديس لوقا، وهو طبيب ومؤرخ
مُلهم بدأ هنا يُدخِل قصة ميلاد المسيح في عمق التاريخ، وأي تاريخ؟ تاريخ
“المسكونة” العام والعلني، إذ بهذا الأمر الإمبراطوري تسجَّل يوسف ومعه مريم في
سجلات العالم المدني باعتبارهما أبويْ يسوع رسمياً وبموافقة الملاك. وهنا نعجب من
التدبير الإلهي المتقَن، كيف سخَّر الله الحوادث وأخضع تاريخ العالم ليسجَّل ميلاد
المسيح في سجلات أعظم دولة!! إذ أصبح العالم يؤرَّخ منذ ذلك اليوم لميلاد المسيح: “A.D.” “بعد الميلاد”. وهنا
ندعو: ليت الذين يمجِّدون مسيح التاريخ أن يطأطئوا
الرأس لهذا التدبير الإلهي المحكم
والفريد. فإن أوغسطس قيصر ليس من ذاته وخياله أمر بالاكتتاب المسكوني العام، بل هو
عمل الله الذي على أساسه وُلد قيصر وقامت روما! فإن كان منذ الأزل: » “أحب الله العالم” حتى بذل
ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل مَنْ يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية «(يو 16:3)؛ إذن، فليستعد
العالم لدخول المخلِّص ويسجِّل له يوم دخوله في أفخر سجلاته، محدِّداً يوم ميلاده.
وإن كان بسبب إهمال المسجِّلين والمؤرخين تاه منهم تحديد اليوم، غير أن القديس لوقا عمل
كل ما في استطاعته أن يحدِّده على أقرب سنة بحسب الاكتتاب العام، ثم مرة أخرى
سجَّل بدء خدمة المسيح: » ولما
ابتدأ يسوع (يخدم) كان له نحو ثلاثين سنة... «(لو 23:3)
«وهذا الاكتتاب الأول جرى إذ كان
كيرينيوس والي سورية».
هنا يعطي القديس لوقا
قرينة لتحدد زمان الاكتتاب، فجعله الأول ليميزه عن أي اكتتاب آخر غير رسمي سبق أن
صدر أو أي اكتتاب آخر جاء بعد ذلك. ثم زاد تمييزه بذكر كيرينيوس أنه كان وقتها والياً على سورية. إلى
هذا الحد كان القديس لوقا مُدقِّقاً في تحديد هذا الزمان. وللأسف أخفق المؤرخون المحدثون:
أولاً: عن فهم قصد القديس لوقا؛ وثانياً: عن الوصول إلى بؤرة هذا
التحديد المتقن. وكل هذا وغرض القديس لوقا الهام أن يحدد هذا اليوم المقدس
المبارك.
No comments:
Post a Comment