والعلاقة التي تربط كل المناسبات بالصوم وتحتمه ، هي علاقة روحية سرية غاية في الأهمية، إذ يستحيل أن ندخل مثلا في سر الميلاد الذي هو استعلان الله في الجسد الإنساني ، إذا لم نسمو بأفكارنا وحواسنا الجسدية إلى مستوى إلهي. وقد قلنا سابقا أن الصوم هو الوسيلة العُظمى لتحويل الطاقة الجسدية فكريا وعاطفيا إلى طاقة روحانية ، إذا فلا مناص من الصوم إن كنا نريد أن نستعلن روحيا سر الخلاص القائم والمعلن في تجسد ابن الله أي في ميلاد المسيح ....
فالكنيسة حددت صوم الميلاد لتهيئ لكل فرد المستوى الروحي الذي به يقبل سر الخلاص القائم والمعلن في التجسد الإلهي ، أي في ميلاد المسيح.
لأنه يستحيل على الإنسان الطبيعي المنغمس في الأكل والشرب والملاهي أن يقبل هذا السر الفائق للطبيعة وغير المعقول حتى لدى الحكماء جدا. لذلك إذا لم يرتفع الإنسان إلى ما فوق الطبيعة بكل كيانه الجسدي والنفسي (الصوم) حتى يتهيأ العقل للتفكير ، مجرد التفكير في إمكانية التجسد وضرورته ، فلن يستطيع أن يدرك هذا السر : "ولكن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة ، ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يُحكم فيه روحيا. وأما الروحي فيحكم في كل شيء وهو لا يُحكم فيه من أحد." ( 1 كو 2 : 14،15)
فإذا استطاعت الكنيسة أن ترتفع إلى هذا المستوى الروحي كجسد متجلي بالصوم ومتطهر ، فإنها تواجه الميلاد كعيد حقيقي فيصير لها فرحا وبهجة ، لأنها لا تكون في مواجهة السر الإلهي وحسب بل تدخل فيه كجسد بلغ إلى مستوى سر التجسد ، أو بحسب التعبير اللاهوتي : "تصير الكنيسة جسدا سريا" ، أي يحل فيها المسيح تماما كما حل في الجسد الذي أخذه من العذراء !
الكنيسة هنا لا تُعيّد للميلاد الزمني كحادثة تاريخية فحسب ، بل تعيّد للميلاد الحادث في صميمها ، تُعيّد للحلول الإلهي الذي يتجسدها !
كتاب صوم الميلاد - شهر الخلاص صفحة 7 لأبونا متى المسكين
No comments:
Post a Comment